سورة هود - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)}
يخبر تعالى إخبارًا عن قوم هود أنهم قالوا لنبيهم: {مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} أي: بحجة ولا دلالة ولا وبرهان على ما تدعيه، {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} أي: بمجرد قولك: اتركوهم نتركهم، {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي بمصدقين، {إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} يقولون: ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبَل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا} أي أنتم أيضا {أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ}. يقول: إني بريء من جميع الأنداد والأصنام، {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} أي: أنتم وآلهتكم إن كانت حقا، ف ذروها تكيدني، {ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} أي: طرفة عين واحدة.
وقوله: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أي: هي تحت قهره وسلطانه، وهو الحاكم العادل الذي لا يجور في حكمه، فإنه على صراط مستقيم.
قال الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو عن أيفع بن عبد الكلاعي أنه قال في قوله تعالى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قال: فيأخذ بنواصي عباده فيلقى المؤمن حتى يكون له أشفق من الوالد لولده ويقال للكافر: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6].
وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، بل هي جَمَاد لا تسمع ولا تبصر، ولا تُوالي ولا تُعادي، وإنما يستحق إخلاص العبادة الله وحده لا شريك له، الذي بيده الملك، وله التصرف، وما من شيء إلا تحت ملكه وقهره وسلطانه، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه.


{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)}
يقول لهم رسولهم هود: فإن تولوا عما جئتكم به من عبادة الله ربكم وحده لا شريك له، فقد قامت عليكم الحجة بإبلاغي إياكم رسالة الله التي بعثني بها، {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} يعبدونه وحده لا يشركون به شيئًا ولا يبالي بكم: فإنكم لا تضرونه بكفركم بل يعود وَبَال ذلك عليكم، {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي: شاهد وحافظ لأقوال عباده وأفعالهم ويجزيهم عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} وهو ما أرسل الله عليهم من الريح العقيم التي لا تمر بشيء إلا جعلته كالرميم فأهلكهم الله عن آخرهم، ونجى من بينهم رسولهم هودا وأتباعه المؤمنين من عذاب غليظ برحمته تعالى ولطفه.
{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} أي كفروا بها، وعَصَوا رسل الله، وذلك أن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء، لأنه لا فرق بين أحد منهم في وجوب الإيمان به، فعاد كفروا بهود، فنزل كفرهم به منزلة من كفر بجميع الرسل، {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} تركوا اتباع رسولهم الرشيد، واتبعوا أمر كل جبار عنيد. فلهذا أتبعوا في هذه الدنيا لعنة من الله ومن عباده المؤمنين كلما ذكروا وينادى عليهم يوم القيامة على رءوس الأشهاد، {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}.
قال السُّدِّي: ما بُعث نبي بعد عاد إلا لعنوا على لسانه.


{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)}
يقول تعالى: ولقد أرسلنا {إِلَى ثَمُودَ} وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة، وكانوا بعد عاد، فبعث الله منهم {أَخَاهُمْ صَالِحًا} فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له الخالق الرازق؛ ولهذا قال: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ} أي: ابتدأ خلقكم منها، من الأرض التي خلق منها أباكم آدم، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أي: جعلكم فيها عُمَّارا تعمرونها وتستغلونها، لسالف ذنوبكم، {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} فيما تستقبلونه؛ {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} الآية [البقرة: 186].

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12